مطلقات مع إيقاف التنفيذ!

ما أكثر المعادلات الصعبة في مجتمعاتنا العربية التي تتسبب في شقاء الأسرة مجتمعة، ومن أشهرها ما يعرف بـ”الزوجة المعلقة”، التي لا يعيش معها زوجها بالمعروف، ولا يسرحها بالإحسان؛ لتكمل حياتها على الأقل في هدوء نسبي بعيدا عن توتر الأعصاب في ظل استحالة الحياة معه.

وإن كان “الخلع” الذي تطبقه بعض الدول قد ساهم في الحد نسبيا من هذه المشكلة، فإنه لم يقضِ على الظاهرة بشكل نهائي، في ظل موافقة بعض الزوجات على العيش مع زوج لا يعطيهن الكثير من حقوقهن لأسباب قد تتعلق بعدم وجود من تعيش معه من أهلها الذين يعيشون في جزر متباعدة.

هذه الحقائق المؤلمة تؤكدها القضايا الموجودة بالمحاكم؛ ففي مصر وحدها نحو 15 ألف قضية طلاق لهجر الزوج زوجته وعدم رعايته لها، هذا بخلاف آلاف الحالات التي تتألم صاحباتها في صمت دون اللجوء إلى المحاكم.

 

قصص مؤلمة

بدأتنا “داليا جمال”، في الثامنة والعشرين من عمرها بالقول: تزوجت وأنا طالبة بالثانوية العامة من شاب يعمل مهندسا. لم أكن أعرف وقتها معنى الزواج الحقيقي، كان ضغط الأسرة قويا لقبوله باعتباره عريسا “لقطة”. استسلمت لقرار أسرتي، وتم الزفاف، ورضيت بحياتي، ومرت الأيام وعشت معه الحياة بحلوها ومرها طيلة عشر سنوات، أنجبنا خلالها طفلتين، وبعد هذه السنوات بدأ في التغير معي، وبدأ تعامله معي يتجه إلى الحدة والعنف.

وتابعت: حاولت التغاضي عن معاملته السيئة أملا في إصلاح حاله من أجل حياة مستقرة، إلا أن الأمور تفاقمت يوما بعد آخر؛ الأمر الذي دفعني لطلب الطلاق، فكان عقابي نتيجة لهذا الطلب أن تركني معلقة، لا أنا زوجة، ولا أنا مطلقة، وزاد في عقابه لي بأن تخلى عن الإنفاق على الطفلتين، وهو ما اضطرني إلى اللجوء لأسرتي لتدبير نفقاتهما المعيشية، ولا أدري إلى متى سأظل معلقة هكذا؟!

أما “حنان” البالغة من العمر 33 عاما، وتعمل في مجال المحاسبة فتقول: تزوجت من رجل يكبرني بنحو 13 عاما. لم أشعر بفارق السن خلال فترة الخطبة التي استمرت نحو عام، كان أجمل عام في حياتي، نعمت خلاله بتدليله وعطفه وحنانه وكرمه، إلا أنه بعد مرور هذا العام بدأ يظهر على حقيقته؛ حيث اكتشفت علاقاته النسائية المتشعبة، وبدأ في السهر خارج المنزل إلى ساعات متأخرة من الليل، ثم يعود متجهم الوجه رافضا النقاش في أي أمور تخصنا. أيضا بدأ يبخل علي بمصروف المنزل، وكنت أضطر إلى اللجوء لوالدتي في هذا الأمر.

وتابعت: حاولت أن أتناقش معه حتى تستقيم أحواله، ولكن في كل مرة كانت الأمور تزداد سوءا بيننا، ولا أنسى عبارة شهيرة كان يرددها لي بعد كل نقاش “أنا عايز كده”. استمر زواجنا نحو عامين، وبعد استحالة علاجه اضطررت لطلب الطلاق، وتركت المنزل وأقمت في منزل عائلتي، ورغم ذلك لم يحاول مصالحتي، أو يبدي رغبته في إعادتي إلى عش الزوجية، وحتى الآن يرفض الطلاق رغم مرور 4 سنوات على تداول القضية في المحاكم، وهو ما يمنعني من الزواج برجل آخر.

تخلى عني بسهولة

وتقول سهام إبراهيم (40 عاما) وتعمل في مصلحة حكومية: تزوجت من مدرس. عشنا معا 5 سنوات في غاية السعادة، ولكن خلال هذه السنوات لم يتحقق الإنجاب، وحصل أنه تزوج بأخرى بعد ضغط من أهله كي ينجب، ورزقه الله بالولد منها بالفعل، وهو ما زود من اهتمامه بأم الولد على حسابي، وفي المقابل بدأ يعاملني بفتور.

وتابعت: شعرت كأنني مثل أي قطعة في الشقة، خاصة بعد أن هجرني واكتفى بأن يرسل لي كل شهر جنيهات قليلة لا تكفي لأسبوع واحد، المشكلة أنه يرفض تطليقي وأجد عيبا في أن أرفع دعوى خلع ضده؛ لأن هناك صلة قرابة بيننا. وأعيش الآن بين نار الزوج الذي تركني معلقة، ونار الخوف من الفضائح والمحافظة على حبل القرابة الذي يربط بيننا، ولا أعرف كيف أتصرف.

علاقات مفككة

وتقول الدكتورة “سهير عبد العزيز” أستاذة علم الاجتماع، عميدة كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر: إن الزوجة المعلقة هي زوجة منفصلة عن زوجها بالفعل، غير أنها لم تحصل على الطلاق الرسمي منه؛ أي أنها تكون على ذمة رجل لكنه يحرمها من بعض حقوقها. وهناك نوعان من الزوجات المعلقات، الأول تكون فيه الزوجة معلقة بإرادتها، بمعنى أنها تفضل البقاء مع زوجها رغم انفصالها عنها، وهضمه لحقوقها الزوجية، وسبب رضائها بهذا الوضع خوفها من المشاكل التي ستواجهها في حالة طلاقها، مثل عدم وجود مصدر للرزق، أو مكان تسكن فيه، فتضطر للاعتماد على دخل الزوج والسكن لديه؛ حيث لا يوجد لديها بديل، في ظل رفض الأهل لها بعد طلاقها أحيانا؛ نتيجة ضعف الروابط الأسرية، وهنا تدفع المرأة الثمن من راحتها النفسية واحتياجاتها العاطفية.

وتحدثت الدكتورة سهير عن النوع الثاني بقولها: يتمثل النوع الثاني في الزوجة المعلقة بدون إرادتها، وهي التي يكون بينها وبين زوجها مشكلات، فيكون منفصلا عنها، لكنه لا يرغب في إعطائها حريتها كنوع من الانتقام منها، أو لرغبته في أن تظل على ذمته لتبقي كمربية للأولاد فقط.

وتؤكد أستاذة علم الاجتماع على تزايد حالات الزوجات المعلقات في السنوات القليلة الماضية؛ نتيجة حدوث تغيير سلبي في تفكير المرأة وسلوكياتها، مثل شعارات المساواة الجوفاء والندية التي ترفعها بعض السيدات، فضلا عن تداخل الأدوار، والنظر إلى الحياة الزوجية كساحة للصراعات بين الرجل والمرأة، حتى أصبحت المرأة تتدخل في كل شيء، وتحاول أن تفرض رأيها باستمرار، وتكون النتيجة في نهاية المطاف تقرير الزوج بالانفصال عنها كنوع من العقاب.

امرأة غير مرغوبة

أما الدكتور أحمد عبد الله -مستشار القسم الاجتماعي بشبكة إسلام أون لاين.نت- فيرى أن الزوجة المعلقة قد يكون وقع الصدمة والمعاناة عليها أقل إذا كانت حياتها غير مرتبطة بالحياة الزوجية فقط؛ بمعنى أن يكون لديها عمل يدر عليها دخلا، أو نشاط اجتماعي يوفر لها علاقات اجتماعية تقضي خلالها وقت فراغها؛ الأمر الذي يخفف عنها رد فعل الأهل والأقارب المعارض لطلبها الطلاق لاستحالة العشرة مع هذا الزوج، ويساعدها في التخلص من هذا الزوج “خائن العشرة”.

ويؤكد على أن المشكلات المادية تدفع الزوجة للقبول بالعيش مع رجل لا يعطيها حقوقها، وهي الظروف ذاتها التي تدفع بعض الزوجات للتخلي عن أزواجهن الفقراء، أو الذين يصابون بانتكاسات مادية من خلال رفعها “دعوي” تطلب فيها خلعه.

ويشير الدكتور العارف بالله الغندور، مدير مركز الخدمة النفسية بجامعة عين شمس المصرية، إلى أنه في بعض الحالات تتولد عدوانية داخل الأم التي يتركها زوجها معلقة تجاه أبنائها لمجرد أنهم أبناء لهذا الرجل الذي تسبب في فقدانها للاستقرار والحياة الطبيعية؛ الأمر الذي يؤدي بها إلى الدخول في صراع معهم، خاصة إذا كانوا في مرحلة المراهقة، أما إذا كانوا أطفالا فإنهم غالبا ما يتعرضون لأشكال العدوان السلوكي من الأم، والذي تمارسه أحيانا دون وعي منها للسبب الحقيقي لهذا العدوان والمتمثل في فقدانها لمشاعر الأمن والثقة نتيجة هجر الزوج لها.

وعاشروهن بالمعروف

ويتحدث الدكتور طه أبو كريشة -نائب رئيس جامعة الأزهر السابق- عن الرأي الشرعي بقوله: إذا كان الهدف من الزواج هو إقامة علاقة أسرية ينتج عنها ذرية صالحة تشارك في تحقيق رسالة الإنسان في إعمار الكون، فإن هذه العلاقة لا بد أن تقوم على أساس من السكن والمودة والرحمة كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم منْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجا لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم موَدة وَرَحْمَة إِن فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ}.

ويضيف: وهناك حقوق متبادلة بين الزوجين لكي تتحقق الغاية من وراء هذا الزواج، ويأتي في مقدمة هذه الحقوق ما جاء في قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}، وما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: “إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله”. فمن عناصر المعاشرة بالمعروف أن يكون بين الزوجين خيط من الاتصال العاطفي وألا يهجرها ويعمل على تحصينها وعفتها، فإذا نظرنا إلي حالة الزوجة المعلقة فإننا نجدها مخالفة لكل ما سبق، ومن هنا يكون الزوج مسئولا أمام الله قبل أن يكون مسئولا أمام القانون عن عدم تحقيق هذه الغايات، ومسئولا أمام الله عن إخلاله بالواجبات المطلوبة منه كما جاء في الحديث الشريف: “إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته”.

وكذلك فإن ترك الزوج زوجته معلقة يعد مخالفة له لأوامر الله جل وعلا، للنهي الذي جاء في قوله تعالى: {فَلاَ تَمِيلُوا كُل الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتقُوا فَإِن اللهَ كَانَ غَفُورا رحِيما}.