إرهاصات اللقاء

قال الشاعر ياسادة يا كرام لا يحلو الكلام إلا بذكر الحبيب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ..
ثم قال :
ولرب نازلة يضيق بها الفتي ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ذكرت في المقالة السابقة أنني تعرفت علي الدكتور العارف بالله ( رحمه الله ) اسماً من خلال حديث أستاذنا الدكتور قدري حفني عنه في أولي محاضرات القياس النفسي في السنة التمهيدية الأولي للماجستير . ولأنني ممن يعتقدون أن لكل منا في اسمه نصيب فكنت أتذكر اسم العارف بالله خاصة كلما قرأت عن مشايخ التصوف ومدارسهم ، ولم أكن أعلم أن العارف بالله كان قد قدم أطروحته في الماجستير عن سيكلوجية الانتماء لدي الجماعات الصوفية .
المهم : انتهت السنة التمهيدية الثانية للماجستير بالنجاح ، وكنت قد انتهيت من إعداد خطة موضوع الماجستير في موضوع (( القيم المدركة والمأمولة لدي المراهقين )) وأصبحت أبحث عن مشرفاً ، فكانت النازلة التي كادت أن تطيح بكل آمالي في مواصلة تحقيق طموحي العلمي وتمثلت في تفعيل قرار عدم تجاوز الأساتذة الكبار والأساتذة المساعدين ممن لهم حق الإشراف للنصاب القانوني لعدد الطلاب في الماجستير والدكتوراه ، مما جعلني أطرق أبواباً كثيرة لأجد مشرفا علي رسالتي وتقلبت عليا أمور كثيرة جعلتني أصل إلي حد اليأس والتراجع عن الاستمرار في الموضوع ، فقد قابلتني نماذج ممن طرقت بابهم أصابتني بخيبة أمل فيما يحدث بمحيط البحث العلمي في مصر ( وعلي سبيل المثال : ذهبت لكلية التربية وفي قسم علم النفس التعليمي قابلني الدكتور فلان وهو أستاذ كبير وبعد التعارف أخذ من نسخة ليقرأها وطلب مني العودة بعد 15 يوما ، وكان قد وضع النسخة في درج معين بمكتبه ، وفي الموعد المحدد ذهبت ولدي أمل أن أسمع كلمة موافق أو علي أقل تقدير : يطلب تعديلات معينة ثم العودة ، وإذا به يخرجها من نفس الدرج الذي وضعها به أمامي أي أنه لم يأخذها معه ليقرأها كما يفعل أهل الجادة واحترام الآخرين مهما كانوا صغاراً ، وناولني إياها قائلاً : معهلش لم أقرئها ، شوف غيري … وهكذا ) ستة أشهر متواصلة أطرق أبواباً وأرجع خائباً محبطاً وظننت بنفسي سوءً وأنني أقدم تفاهات لا ترقي للبحث العلمي …أم ماذا ياربي ؟ وبالفعل أقليت ببعض النسخ في صندوق القمامة وتمنيت أن لايحدثني أحد عن البحث العلمي ثانية . وعلم صديقي الدكتور سمير خطاب المدرس بقسم علم النفس بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي حالياً وكان آنذاك يعمل معي بالقسم الداخلي لمدرسة المتفوقين الثانوية وقد سجل للدكتوراه ، نصحني بأن أعاود الذهاب لمعهد الطفولة وكان مقره بكلية الألسن القديمة بالزيتون وأن أطلب من عميدة المعهد الدكتورة فايزة يوسف أن توفر لي مشرفا حيث أنني طالباً بالمعهد وينبغي أن تساعدني في ذلك .( وكنت قد ضقت ذرعاً ) .
ذهبت إلي مكتب العميدة وأنا في قمة التجهم وعبوث الوجه وكأني سأرتكب مصيبة إن لم أجد مشرفاً لرسالتي ، فتدخل الأستاذة الدكتورة / فؤادة هدية . الأستاذ بمعهد الطفولة ، وذلك علي أثر حدة النقاش بيني وبين العميدة ، ولأنها تعرفني من خلال مناقشاتي معها في المحاضرات وثنائها علي الموضوع طلبت مني أن أنتظرها في مكتبها وبعد دقائق خرجت ولامتني علي حدة النقاش وطلبت مني أن نذهب لمكتب الأستاذ الدكتور قدري حفني وقدمتني إليه فتبسم قائلا : أنا عارفه وموضوعه حلو بس هي الظروف جت معاه كده . عموما يا سيدي ما تزعلش حظك حلو وصبرك عوضه خير ، أذهب غداً إلي كلية الآداب وفي قسم علم النفس أسال عن الدكتور العارف بالله ( تنبهت أكثر ) وطلبت من سيادته إعادة الإسم علي مسامعي ، فكرره ، وأحسست بشئ ما يعيدني لتوازني ونظرت إلي الدكتورة فؤادة هدية بدهشة فقالت لا تضيع وقت وإن شاء الله خير . وكعادتنا في مصر في أحوال الوساطة طلبت من الدكتور قدري رسالة ورقية للدكتور العارف بالله ، فرد بابتسامة جميلة وعبارة أجمل : إبننا العارف بالله ليس في حاجة لرسالة ، روح وقل له أرسلني إليك والدك الدكتور قدري ، صافحته شاكراً معتذراً عن انفعالاتي وتوجهت لمكتب العميدة لأعتذر عن العبوث وحدة النقاش ، فلم أجدها ، لأن الساعة تعدت الثانية والنصف بعد الظهر .
إلي هنا نقف :
مرة ثانية يجسد الأستاذ حبه الشديد لتلميذه الذي أنزله بمكانة الإبن ( إبننا العارف بالله ) ولثقته فيه وفي بره تلميذه ووفائه له ( ليس في حاجة لرسالة ـ موش محتاج لورقة مني ـ روح وقل له إنني أرسلتك إليه وشوف وقل لي ) .
ـ الغريب مني إنني كنت قد طرقت كل الأبواب علي مدار ستة أشهر ولم أدخل باب كلية الآداب ، وتعجبت من نفسي لماذا لم أطرق هذا الباب … بالتأكيد للأقدار تصاريف ، ويقيناً تصاريف وتدابير المولي عز وجل للعبد لله هي الخير كل الخير . تاه عني كلياً أن أذهب لكلية الآداب بالرغم من أنني أعرف الأستاذ الدكتور فتحي الشرقاوي منذ رأيته في مناقشة رسالة الماجستير لصديقي العزيز ( الدكتور سمير خطاب ) .
* خرجت من معهد الطفولة بالزيتون ( شارع الأصبغ ) وقررت أن السير حتي المنزل بعين شمس الغربية كعادتي حين أجري حواراً مع النفس . وتمنيت أن لا يقابلني أحد يقطع عليا الحوار بيني وبين العارف بالله الذي لم أقابله بعد وجهاً لوجه ، وإنما هي اللحظة التي تنقسم فيها النفس إلي ( ذات ، وآخر ) فكان الآخر الذي أحاوره بين نفسي هو الحبيب الراحل العارف بالله . وعلي مدار ثلاث ساعات سيراً معتدلا طرحت علي نفسي ملامح الصورة الذهنية للدكتور العارف بالله الذي سأقابله غداً بكلية الآداب .
طبت يا عارف حياً وميتاً ، وطابت أخبارك بين أحبابك ومريدوك ومن عرفوك وعاشروك ، وطيب الله ثراك ، بقدر ما علمتنا جميعا بالحسنى وزيادة ، وطيبت خاطري .
.. بإذن الله .. يجمعنا اللقاء ، إن كان في العمر بقية .
أخيك المنكوب فيك . رضا عريضة