وكان اللقاء ..ونعم اللقاء

وكان اللقاء ..ونعم اللقاء
قال الشاعر : يا سادة يا كرام لا يحلو الكلام إلا بذكر الحبيب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
سيدنا النبي قال : الأرواح جنود مجندة ….فما تقابل منها تعارف وائتلف وما تنافر منها تباعد واختلف .

ما نطق سيدنا رسول الله إلا بالحق والصدق (( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحي )) نعم : الأرواح جنود مجندة فما تقابل منها تعارف وائتلف ، تحقق ذلك في اللحظة الأولي ، تلك اللحظة التي باعدت بيني وبين اليأس والإحباط أمداً بعيدا ، لحظة أن وقفت علي باب المكتب الذي يجلس به الدكتور العارف بالله وأنا أسأل عامل البوفيه بالقسم ( عم شوقي ) فأشار إلي المكتب دون تحديد شخص الدكتور العارف بالله ( حيث كان المكتب آنذاك من داخل القسم وليس الحالي من خارج ممر القسم ، وكان يطل علي جهة ناحية كلية الحقوق ) ونظر إلي رجل بطلاقة وجه وثغر باسم وبادرني قائلاً : حضرتك بتسأل علي حد ؟ فقلت : نعم ، أسأل عن الدكتور العارف بالله ؟ فقال : تفضل ..تفضل .. أهلاً وسهلا وهويقوم من خلف مكتبه برشاقة ماداً يداه للمصافحة .. وأنا أتأمله بهدوء وعين ثاقبة ، ويبدو أنه لاحظ هدوئي الشديد وعمق النظرة فيه ، فقال بالتأكيد إنت ما تعرفش العارف بالله .. عموما قبل أي كلام تشرب إيه وبعدين أعرفك علي العارف بالله ؟ أيقنت لحظتها أنني أمام العارف بالله وبدت ملامح الصورة الذهنية لشخصه تتأصل عندي كما رسمتها ألا ملمحين اثنين تخيلتهما ولم يظهرا ، مما زادني يقيناً أن العارف بالله الذي أجلس أمامه هو أستاذي الذي أبحث عنه ،وشاءت الأقدار أن لا أدخل كلية الآداب لعرض موضوعي علي أساتذة القسم وكلهم ممن نرجوهم أساتذة لنا . ليكون العارف بالله أستاذي ( عليه سحائب الرحمة الربانية ) .
أحضر ( عم شوقي ) الشاي ، وإذا بالدكتور العارف بالله يخرج علبة السجائر ويقول لي : واضح إنك بتدخن !! فقلت نعم ، قال : تفضل سيجارة وأن كمان أدخن .. ممكن نتعرف بقي ؟ فقلت : العبد لله رضا محمد عريضة . فقال : أخوك في الله العارف بالله محمد حسن الغندور . فتبسمت قائلاً : العارف بالله محمد أم العارف بالله محمود الغندور . فنظرني بابتسامة ورجع بظهره إلي مسند مقعده إيه حكاية العارف بالله محمود .. فقصصت عليه الحوار الذي دار مع الدكتور قدري حفني في السنة الأولي للماجستير وما حدث بخصوص كتاب القياس النفسي ، فضحك أكثر بصوت وسيط قائلاً : أستاذنا الدكتور قدري هو الأب الروحي لي يا أخ رضا وله أفضال علي كثير منا هنا في قسم علم النفس ، فقلت له إذاً أعتبر نفسي سعيد الحظ بأن أنضم لأسرة الدكتور قدري وحضرتك أحد أبناؤه ، فقال اعتبر ذلك ، وأكون سعيد الحظ أن تكون لي أخا وإن شاء الله مع الأيام سنعرف بعض أكثر ( كل هذا ولم نتطرق لموضوع الماجستير ) وما أن فرغنا من الشاي جاء ( عم شوقي ) بالقهوة وهو ينظر في بعمق قائلاً : معلهش أنا كنت فكرك طالب ولما دخلت بالشاي سيطر عليا إحساس بأنك أخو الدكتور العارف ، فضحك الدكتور العارف وقال : يعني أنت جاي تصالح رضا بالقهوة يبقي أنت عملت معاه حاجة ؟ فضحك عم شوقي قائلا : فيه شبه كبير منك يا دكتور ( فيما بعد كان للشبه في الملامح حكاية مع كل دفعات طلاب الليسانس في التدريب بمستشفي الخانكة وبعض أساتذة قسم الاجتماع ) ، فقال الدكتور العارف : عموما إذا كنت شايف إنه أخي فهو أخي ( أنا أنتفض من داخلي فرحاً ، وأقول سبحانك ياربي لكل شئ أوان ، أهي خطواتي ساقت إليا أخُُ لم تلده أمي ، وعامل البوفيه دون قصد يؤسس لعلاقة الأخوة التي بدأت منذ نصف الساعة مع العارف بالله ) … سيجارة ثانية .. ماشي يا دكتور . يبادرني بعد إشعالها : ندخل في طلباتك يا أخ رضا ، تفضل طلباتك إيه ، فقلت : يكون لي عظيم الشرف أن يحظي موضوعي للماجستير بقبول سيادتك الإشراف عليه ، فقال : هل معك نسخة ، قلت نعم وأعطيته النسخة ( مكتوبة بخط اليد ) ، أخذ سيادته النسخة ، ونظر إليِ قائلاً : قبل أن أطلع عليها أريد أن أعرف منك الموضوع وازي اخترته وماذا تريد أن تفعل ؟ وهو هنا رحمة الله عليه يريد أن يتعرف أكثر علي طالب الماجستير الذي يجلس أمامه وإمكانياته ومدي تمكنه من موضوعه . .. وبعد أن انتهيت من عرض الموضوع ، نظر ني بابتسامة قائلاً : يبدو أنني من الآن سأوافق مبدئياً علي الإشراف ، وأمامي أسبوع يا أخ رضا سنتقابل هنا وإن شاء الله خير واطمئن . أعطني تليفونك وهذا كارت فيه تليفوني . صافحته بحرارة وانصرفت بخطي سريعة إلي خارج كلية الآداب ، وجلست هناك تحت الشجرة العتيقة المواجهة لمبني بنك ناصر ، التقط أنفاسي وأشعلت سيجارتي وعاودت الحديث مع نفسي كما أحب بعد كل مقابلة مع أي شخصية ويعقبها اتخاذ قرار أو التفكير فيه ، وهذه المرة بدأتني نفسي قائلة : أصبح لك في محراب العلم أستاذ ، وأن أقول مازال هناك أسبوع ، قالت وما دعاه أن يصطفيك أخاً من المقابلة الأولي ، ألا تدري أن الأرواح جنود مجندة ما تقابل منها تعارف وائتلف ، وما تنافر منها تباعد واختلف ، ألا تدري أن كلمة شوقي عامل البوفيه جاءت لتوثق بينك وبين العارف بالله ، ألا يكفيك أن العارف بالله طلب منك عرض الموضوع بعد أن أعطيته نسخة من الخطة ألا يدل ذلك علي انفراجة الأزمة التي كادت تعصف بك ، فقلت والله يانفسي لقد وقع بداخلي فرحة وسعادة منذ اللحظة التي قام فيها العارف بالله من خلف مكتبه ليقابلني وماداً يده ليصافحني ، فقالت ألا يدل ذلك علي أنه : خِلُ إذا جئتَه يوما لتسأله *** أعطاك ما ملكت كفاهُ واعتذرا
يُخفي صنائعه والله يظهرها *** إن الجميل إذا أخفيته ظهرا.
اللهم إني جئت عبدك بن عبدك ابن أمتك العارف بالله محمد حسن الغندور كثيراً وسألته كثيراً فما حجب عني علماً ولا رد لي مسألة وكان عوناً لي في رأيي ومهموما بهمي وفرحاً لفرحي ودائم السؤال عني وعن آل بيتي وخاصة أمي ، اللهم جازه بإحسانك الذي لا يقاربه إحسان وارزقه خير الجنان وأغبطه في نورك عن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته ومن أمامه ومن خلفه نور علي نور في جنات وسرور ومقام أمين . آميــــن يارب العالمين .
والحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي اللهم صلي علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
وإلي أن نلتقي بإذن الله
د. رضا عريضة