لقاء في الغيب
قال الشاعر : يا سادة يا كرام لا يحلو الكلام إلا بذكر حضرة المصطفي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
للقدر تصاريف في حياة الإنسان وللأقدار معي أحوال وأحوال كلما خلوت إلي نفسي وتأملت ما كان قلت سبحانك ربي قدرت لعبادك الخير وقليل منهم الشكور ، قدر لي ربي أن ألتقي بالحبيب الراحل العارف بالله قبل أن يراني وأراه ، فيصير له منزلة في قلبي أسست لما كان بيننا فيما بعد عندما التقينا لأول مرة بعد أن أضناني البحث عن مشرفا لرسالة الماجستير .
الحكاية :
التحقت بمعهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس لأواصل تحقيق طموحاتي العلمية التي توقفت فترة إعداد وتكوين الأسرة والاستقرار العائلي ، وكان الدكتور العارف بالله في تلك الفترة في سلطنة عمان ، وأنا في السنة الأولي للماجستير وفي المحاضرة الأولي لمادة القياس النفسي دخل القاعة الأستاذ الدكتور قدري حفني ( الأب الروحي ) للدكتور العارف بالله ، وبعد أن عرفنا نظامه في المحاضرات وشرع يلقي علينا أول درس من دروس القياس النفسي قاطعه زميل بجواري متسائلاً : هل يوجد مرجعا أو كتاباً معيناً للقياس النفسي يمكن أن نعتمد عليه ؟ فرد عليه الدكتور قدري : الباحث الشاطر لا يعتمد علي كتاب بعينه وطالب الدراسات العليا لابد وأن تتعدد مصادر المعرفة لديه ، وعموما إذا كان ولابد كتاباً للاسترشاد من خلاله للوصول إلي مراجع أخري فأحد أبنائي واسمه ( الدكتور : العارف بالله محمود الغندور .. ولم يقل محمد : ولهذا طرفة تأتي في مقامها إن شاء الله ) قد وضع كتاباً في القياس النفسي وشاركته فيه منذ سنوات قليلة والحقيقة لا أعلم إذا كان طبع منه طبعات أخري حيث أنه خارج مصر حالياً ، واستطرد الدكتور قدري في حديثه عن تلميذه وابنه الروحي الدكتور العارف بالله لمدة تقرب من عشر دقائق حتي ظن من في القاعة أن المحاضرة ستنتهي بالحديث عن الدكتور العارف بالله الموجود آنذاك بسلطنة عمان إلا أن الدكتور قدري استكمل الدرس الأول في القياس النفسي ثم انتهت المحاضرة .
أنا هنا في العشرة دقائق التي أفردها الدكتور قدري للحديث عن واحد من أبنائه وطلابه بكلية الآداب وقد أصبح مدرساً جامعياً وهو حالياً في إعارة لكلية التربية والمعلمين بسلطنة عمان ، وخلفيتي عن الدكتور قدري بأنه دقيق لا يسمح للوقت أن يمر به فيما لا طائل من وراءه وأن محاضراته دسمة وهذا ما عرفته من صديقي العزيز الدكتور سمير خطاب أستاذ علم النفس المساعد حالياً بكلية الآداب بجامعة جنوب الوادي بقنا .
اسم الدكتور العارف بالله ظل يراودني بعد المحاضرة ولأيام طويلة وخاصة كلما دخل علينا القاعة الدكتور قدري حفني .. لأنني استوقفت نفسي وسألتها لماذا يفرد الأستاذ مساحة ثمينة من الوقت ليتحدث عن واحد من طلابه غائب عن أرض الوطن ؟ فأجبت لنفسي : إن احترام الأستاذ لطلابه قيمة غالية ويبدو أن بر التلميذ بالأستاذ جعل الأستاذ أكثر براً بتلميذه فيذكره بالخير في الغيب ، وأن قيمة الوفاء ترسخت وتجسدت سلوكاً واقعياً من التلميذ في اتجاه الأستاذ فافرد له من وقته دقائق ليست هينة في عرفنا ليتحدث عنه ، فما أجمل الوفاء والإخلاص المتبادل بين الأستاذ وتلامذته . لقد خرجت بإجابات عديدة منها أن قلت بالتأكيد أن العلاقة فوق ذلك بكثير وخاصة أن العلاقات الروحية التي تربط الناس ببعضهم البعض أشد وأعمق وأقوي من العلاقات العابرة التي يحكمها تحقيق مصلحة ثم تنفض حتي لو استمرت لسنوات . نعم أنها علاقة حب من نوع فريد . وخرجت أيضاً بقيمة أخري وهي قيمة التواضع التي جسدها أمامي الدكتور قدري أثناء حديثه عن الكتاب الذي وضعه الدكتور العارف بالله في القياس النفسي ، فلم يقل الدكتور قدري أنا قلت له أو أنا أشركته معي في الكتاب وإنما قدر إبنه وقال وضع كتاباً أشركني معه في كتابته ومراجعته . وخاصة أن العارف بالله بعيد هناك في أرض غير الأرض . ولكن خلق العالم الفقيه يأبي أن يمجد نفسه ، وإنما يفرح ويسعد بأبنائه الذين تتلمذوا وتربوا وترعرعوا علي يديه فشربوا من منهل صاف تحوطه قيم سامية قلما نجدها في أروقة الجامعة خاصة وفي حياتنا العامة عموما . والعارف بالله ومعه أخوين في المجال هما ( الأستاذ الدكتور فتحي مصطفي الشرقاوي أستاذ علم النفس السياسي ووكيل كلية الآداب حالياً متعه الله بالصحة ، والأستاذ الدكتور محمد سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها حالياً متعه الله بالصحة) الثلاثة معروفون لدينا نحن من خارج الجامعة بأنهم الأبناء الروحانيين للأستاذ الدكتور قدري حفني متعه الله بالصحة والعافية ، وللمدرسة ( القدرية ) معالمها التي ستتضح مع لقاءاتنا القادمة بإذن الله حيث أنني وتلاميذ الأربعة انتسبنا للمدرسة ولنا الفخر والحمد لله رب العالمين .
طابت أخبارك يا عارف وطاب مقامك واسأل الله أن يمنحك روضة من رياض الجنة .
وإلي اللقاء تحت عنوان ( تصاريف القدر للقاء مع العارف بالله ))
د. رضا عريضة
الاثنين 4 مايو 2009
وبالفعل د/ رضا نحن تلامذة د/ العارف نعلم مدى مقدار حب د/ قدرى حفنى وأعتزازه بدكتور العارف بالله ، ففى احدى مناقشاته لرسالة دكتوراه كانت منذ ما يقرب من أسبوع نعى د/العارف لمدة 10 دقائق فى بداية تقديمه للمناقشة وتحدث عن ما يتمع به من محاسن الخلق وبالرغم من حرصه الشديد على الوقت كما ذكرت ولكن هذا يوضح حبه الشديد له ، وقد كان د/العارف بالله يماثل د/قدرى حفنى فى حبه لتلامذته وأعتزازه وفخره بأى نجاح يحققونه بل ومساعدتهم فى ذلك ، رحمه الله فقد كان خير أستاذ ومعلم وأب
الأستاذة عبير طوسون
بعد التحية ودوام التوفيق
شكراً لك كل الشكر عن ردك علي مقالة لقاء في الغيب ، وجميل أن ذكرتي نعي الدكتور قدري حفنه لإبنه وتلميذه الحبيب الراحل الأستاذ الدكتور العارف بالله وذلك أثناء مناقشة علمية لزميل ما في الجامعة . وليس غريباً ابداً ولا بعيداً أبداً عن أستاذنا الدكتور قدري حفني الذي يمثل بحق قيم علماء الزمن الجميل وشيمتهم خفض الجناح والتواضع الجم والأدب الرفيع وكرم الأخلاق وبذل العلم لكل طارق لبابه في وداعة جميلة بعيدة كل البعد عن الصلف والغرورو الذي يتغلف به كثير من أساتذة زماننا الذي نعيشه . وللأستاذ الدكتور قدري حفني موقفا لا أنساه ما حييت يمثل قمة الأبوة وشيم الرجل الصعيدي الأقصري ، وكان ذلك في حياة الحبيب الراحل الدكتور العارف بالله ، والموقف هو أن والد الكتور فتحي الشرقاوي قد توفاه الله ولم يشأ أحد أن يخبر الدكتور قدري آنذاك لأنه كان يمر بظروف صحية صعبة جداً فقد أجري جراحة القلب المفتوح ويعيش مرحلة النقاهة التي تتطلب راحة وهدوء معين ( خوف الأبناء علي الوالد ) ، وإذا بالأستاذ الدكتور قدري حفني يدخل القسم في ثاني أيام العزاء ليوجه لوما شديداً للجميع في مكتب الدكتور العارف الحالي وبجواره مكتب الدكتور فتحي ، وكانت الكلمة التي اخترقت كل عتبات السمع عندي لتستقر ذاكرتي بعيدة المدي وأذكرها وهي (( إن لم أكن أنا بجوار إبني فتحي في مثل هذا الظرف فمن يكون .. عيب ياولادي عيب )) فصمت الجميع وتحدث الدكتور العارف باتسامته الرقيقة العذبة يا أستاذنا كلنا خايفيين عليك وعارفين ظروفك الصحية ، وكلنا أمل أن تسترد عافيتك لأننا في احتياجك …
شوفتي ياعبير : إنه حوار الحب وعتاب الأحبة ليس خصاما وقطيعة ، لحظات من عمري عشتها في مدرسة قوامها الحب والإخلاص عن يقين وسلوك أكيد يجسد معاني الحب ، الأب والأبناء وإن اختلفت أصلابهم ومناسبهم ولكنهم في حوار حب دائم ، بعيداً عن الأغراض ، وتواصلاً للارتقاء دائما ، إذا حضر الكبير كل من دونه سناً وعلماً ينصت ويسمع والأعجب أن الكبير ينصت عندما يتكلم الأخرين من أبنائه …أين نحن من هذا ؟ كلنا أشد حاجة لإعادة صياغة وجدانه نحو الآخرين ولعل في التواصل في ساحة العلم الذي نقدسه ما يعيدنا إلي الصفاء الروحاني والأدب الجم .
الأستاذة عبير : لو أنك تعرفين الزميل الذي ناقشه الدكتور / قدري حفني . أرجو أن تطالبيه بعمل نسخة من العشر دقائق وفيه ينعي الدكتور قدري إبنه الدكتور العارف بالله ليستمع إليها كل أحبابه ويتعلم الآخرون كيف تكون الأستاذية والوالدية الروحية .
د. رضا عريضة
جزاك الله كل خير يا دكتور رضا
عشت مع هذه القصة و كأن روح والدي ترفرف حولي ، و شعرت كأني اعود بالزمن الى ما ايام الطفولة … تحكي انت ما يحدث في اروقة الجامعة في مصر قبل لقاءك بوالدي …. و يقشعر بدني شوقا وحبا لأحضان والدي في سلطنة عمان عندما كنت اعود من المدرسة .. او حتى عندما كنا نحتفل باعياد ميلادنا ..
انتظر بفارغ الصبر بقية السلسلة ، حكايات لا تنتهي .